في مثل هذا اليوم تنيح الأب القديس الفاضل سوريانوس آسقف جبلة ببلاد اليونان. وكان اسم والده بالاريانوس. وقد تعلم الحكمة العالمية التي للأثينيين. ثم مضى إلى قيسارية. وتعم على يد من بها. ثم عاد إلى رومية وتثقف بعلوم الكنيسة. وحفظ العتيقة والحديثة في سنين قليلة. وبعد هذا تنيح والداه وتركا له مالا جزيلا. فأراد أن يعطيه للمسيح لكي ينال العوض عنه مائة ضعف. فبنى فندقا لضيافة الغرباء والمساكين والمنقطعين وأقام فيه وكلاء لتوزيع ما يجمع على المساكين . حتى أنهم أطلقوا أسمه على تلك المواضع بعد رحيله من العالم بزمان طويل. وأذ كان عمه والى المدينة فقد أبلغ أمره إلى الملك أنوريوس بأنه قد بدد ماله على اسم السيد المسيح ليأخذ منه عوضه مائة ضعف كما وعد في إنجيله. فاعجب به الملك ودعاه إليه وأمر. بالا يفارق القصر .
وكان يأخذه معه إلى الكنيسة وكان الجالس على كرسى رومية في ذلك الزمن هو البابا اينوكنديوس. فهذا أوحى إليه من قبل الله بان سوريانوس سيؤتمن على جماعة كثيرة فصار يكرمه ويبجله. ويشتهى ألا يفارقه وصار محبوبا من الجميع. ولما رأى هذا القديس إكرام الناس له خشي أن يضيع تعبه. وعزم على الهروب من مجد العالم سرا، فظهر له ملاك الرب " وأمره أن يمضى إلى مدينة جبلة. وهناك يكون مدبرا لنفوس كثيرة فخرج ليلا ومعه تادرس تلميذه بعد أن ألبسه اسكيم الرهبنة. وأرسل الرب إليه نورا يهديه إلى تلك الجهة وكان بها دير يرأسه رجل قديس، فعلم برؤيا عن قدوم القديس سوريانوس فخرج واستقبله وأعلمه بما قد رآه. وبلغ صيته إلى تلك الجهة. فتقاطرت إليه جموع كثيرة لا تحصى. وأرسل ثاؤدسيوس الملك من قبله من جدد له أحد الأديرة ليقيم به كما حدد له الملك وصار معزيا لنفوس كثيرة، مداوما على تعليم وإرشاد الرهبان حتى صاروا قديسين كالملائكة .
وأجرى الرب على يديه آيات كثيرة، منها أن ابنة والى جبلة كان بها روح نجس وكان يقول لأبيها: ان أنت أخرجت سوريانوس من هذا الأمر خرجت أنا من ابنتك. ولما أعلم أبوها القديس بذلك كتب له ورقعة يقول فيها: باسم يسوع المسيح تخرج منها، فلما عاد إلى ابنته بالورقة صرخ الشيطان وخرج منها، واتفق مرة أن قوم من السحرة مع بعض الجند على أن يقتحموا ديره ، فضربوا بالعمى. ولبثوا كذلك ثلاثة أيام حتى صلى القديس عنهم فشفوا. وكان أسقف المدينة ويسمى فيلادلفس قد علم برؤيا من قبل الله أن القديس سوريانوس سيجلس على كرسيه من بعده. فأعلم شعبه بذلك فلما رسم سوريانوس اجتهد في رعاية شعبه أفضل رعاية . وكان في تلك المدينة يهودي اسمه سكطار يفتخر بعلمه.. هذا جاء إلى القديس وجادله وانتهى به الحال إلى الاقتناع بصحة الديانة المسيحية والإيمان بالسيد المسيح. كما آمن غيره من السحرة. وفى أيامه زهت مصر برهبانها كما زهت القسطنطينية بالقديس يوحنا ذهبي الفم.
وكان لما أعلن الفرس الحرب على أنوريوس وأرغاديوس فأرسلا إليه يطلبان منه الصلاة عن المملكة. فأرسل إليهم يقول ان كنا للمسيح، ومملكتنا من المسيح فلا نحتاج إلى سلاح ولا حراب ولا رجال. وذكر لهما ما صنعه الرب مع من أرضاه من الملوك السالفين. ولما غضبت أود كسيا على ذهبي الفم وأحضرت هذا القديس ضمن من جمعتهم للمحاكمة بكتها قائلا "ان ذهبي الفم لم يعمل شيئا يوجب نفيه". ولكنها لم تسمع له، قد كتب مقالات كثيرة ومواعظ وميامر وهى مدونة في كتب الكنيسة إلى الآن. وشاخ وبلغ من العمر مئة سنة وقبل خروجه من الجسد بعشرة أيام، ظهر له ملاك الرب وأعلمه بيوم انتقاله من هذا العالم. فأوصى شعبه وتنيح بسلام. وكفنوا جسده الطاهر كما يليق وأودعوه القبر. وكانت نياحته قبل نياحة يوحنا ذهبي الفم بسنتين. صلاته تكون معنا. أمين .