دعوة للتجديد
هذا السفر كبقية أسفار الكتاب المقدس، هو سفر خاص بك، لتقرأه وتأكله وتجتره وتعيشه بفرح ولذة.
إنه سفر التوبة الواهبة التجديد الروحي المستمر.
يدخل بنا هذا السفر إلى عرش نعمة الله، لنختبر خطة الله في تأديبنا، ونتمتع بعطية الروح القدس الساكن فينا، والعامل في حياتنا.
عاصر يوئيل النبي غارات الجراد، ليراها قد حوّلت السماء إلى غمام قاتم، لكنه ببصيرته الداخلية، أدرك أن الشمس خلف الغيمة، وأن الله يرق نحو شعبه جدًا حتى في أمرّ لحظات التأديب.
تنبأ غالبية الأنبياء عن شخص السيد المسيح وسماته وخدمته... أما يوئيل فركز على عطية الروح القدس، الذي أرسله السيد المسيح في يوم البنطقستي (يوئيل 2: 29؛ أع 2: 16). إنه يحول برية قلوبنا المحطمة إلى فردوس الله المثمر.
اَلأصحاح الأَوَّلُ (غارات الجراد)
اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي (غارات الأعداء)
اَلأَصْحَاحُ الثَّالِث (يوم الرب)
مقدمة:
* كلمة "يوئيل" في العبرية تعني "يهوه هو الله"، وهو اسم شائع في الكتاب المقدس (1 صم 8: 2؛ 1 أي 4: 35-43؛ 5: 4، 12؛ 6: 36؛ 7: 3؛ 11: 38؛ 15: 7؛ 27: 20؛ 2 أي 29: 12؛ عز 10: 43؛ نح 11: 9)...
* لا نعرف شيئًا عن هذا النبي سوى ما ورد عنه في هذا السفر. قدمه لنا المدعو أبيفانيوس Pseudo-Epiphanius في كتابه "حياة الأنبياء" على أنه من سبط رأويين. ُولد في بيت هورن أو "بيت أور". التي تبعد حوالي عشر أميال شمال غربي أورشليم، وفيها قد دفن[1]. لكن غالبية الدارسين يرون أن يوئيل من سكان أورشليم، غالبًا من سبط يهوذا، لذا جاء حديثه منصبًا على أورشليم وسماع صوت أبواق الكهنة، واجتماع الكهنة مع الشعب للعبادة في بيت الرب الخ... الأمر الذي يمثل خطًا واضحًا في السفر كله.
تاريخ السفر:
رأى الدارسون اليهود الأوائل أن يوئيل من أنبياء ما قبل السبي. وإن كان الدارسون المتأخرون من اليهود يجدون صعوبة في تحديد تاريخ النبي وبالتالي السفر نفسه[2].
يرى الأب ثيؤدورت والقديس جيروم أن يوئيل كان معاصرًا لهوشع النبي في أيامه المبكرة، أي قبل السبي. أما الدارسون المحدثون فقد اختلفوا فيما بينهم اختلافًا كبيرًا. فالبعض نسبه إلى فترة ما قبل السبي، والبعض إلى ما بعده.
يرى البعض أن يوئيل من الأنبياء المبكرين جدًا الذي كتبوا لنا. ربما عرف إيليا النبي واليشع في صباه[3].
جمع Knabenbauer أراء القائلين بأنه من أنبياء ما بعد السبي، والتي يمكن تلخيصها في الآتي[4].
1. يتحدث النبي عن الكهنة والشيوخ كأصحاب القيادة (1: 2؛ 13، 14؛ 2: 17) دون الإشارة إلى الملك كقائد أو حتى كمشترك مع الجماعة بكل فئاتها في التوبة، مما يدل على أن الحديث بعد السبي حيث عاد إسرائيل ويهوذا بلا ملك.
2. يوجه النبي حديثه إلى يهوذا وأورشليم دون أي تلميح لوجود مملكة إسرائيل...
3. لم يذكر النبي شيئًا عن وجود مذبح خارج أورشليم في السامرة عاصمة إسرائيل. كما لم يشر إلى العبادة الوثنية وطقوس البعل التي انتشرت في إسرائيل ويهوذا قبل السبي وفي أثنائه.
4. دعوة الكهنة "خدام يهوه"، اسم عرف متأخرًا بعد السبي.
يؤكد فريق من الدارسين أن يوئيل كتب حوالي عام 400 ق.م بعد سقوط بابل (539 ق.م) إذ لم يذكر اسمها، وقبل قيام اسكندر الأكبر إذ لا يقدم اليونانيين كدولة قوية مقاومة وإنما مجرد تاجرة للعبيد (3: 3)، وقبل خراب صيدون (3: 4)، وبعد بناء نحميا للسور عام 445ق.م (2: 9).
أما القائلون بأن يوئيل قد ظهر قبل السبي فيرون في الدلائل السابقة وغيرها أنها واهية، بل ولديهم دلائل متناقضة لها[5]، فمن آرائهم:
1. لم يشر النبي إلى الملك ولا دعاه للتوبة مع الكهنة والشيوخ، إما لأن الملك كان قاصرًا (ملك يهواش ابن سبع سنين 2 مل 11: 21)، أو لأن الملك لا يتدخل في الشئون الزراعية، حيث انصب غالبية السفر على حملات الجراد التي حولت البلاد إلى قفر وجفاف، أو لأن الدعوة إلى التوبة هي دعوة قلبية داخلية، فيريد النبي أن يربطهم بالعمل الروحي الطقسي دون الانشغال بالسياسة...
2. عدم ذكر العبادة الوثنية وخاصة البعل لا يعني أن النبي كتب بعد السبي، فإنه وإن كانت الطقوس الخاصة بالبعل قد نُزعت عنهم بواسطة المصلحين، لكنه وجد أيضًا بعد السبي انحراف آخر خلال المستعمر الجديد. لذا فتجاهل النبي هذا الانحراف إنما لأنه يكتب في اختصار وبتركيز مهتمًا بالجانب الإيجابي وهو عبادة الله الحيّ بفكر روحي وطقس سليم.
3. يؤكد كثير من الدارسين أن بعض الأنبياء مثل إشعياء وحزقيال وإرميا، خاصة عاموس، قد اقتبسوا بعض العبارات عن يوئيل وليس العكس.
4. لو كان يوئيل قد جاء بعد السبي فلماذا لم يشر إليه خاصة وأنه يتحدث عن قضاء الله على الأمم وتأديبه لشعبه؟! وقد أشار إلى رد السبي ومحاكمة الأمم التي أذلته كأمر نبوي مستقبلي قادم (3: 2-3).
5. أشار النبي إلى مصر كأمة معادية ومقاومة ليهوذا (3: 19)، الأمر الذي لا ينطبق على ما بعد السبي بل قبله، ومن الجانب الآخر لم يذكر في محاكمة الأمم المقاومة السامريين وبني عمون وغيرهم ممن قاوموا بعد السبي بل ذكر الفينيقيين وفلسطين وأدوم. وهم أمم مقاومة قبل السبي...
6. عدم إشارته إلى وجود مملكة شمالية إنما يتحدث عن إسرائيل كشعب واحد (2: 27، 3: 2، 16) أولًا لأن خدمة يوئيل كانت منصبة على مملكة يهوذا فلا مجال للحديث عن مملكة الشمال، ومن ناحية أخرى فإنه بروح النبوة يتطلع إلى إسرائيل كاسم أصيل ليس فقط للشعب كله (المملكتان) وإنما لكنيسة العهد الجديد كلها...
هذا ويوجد فريق ثالث مثل Kirkpatrick, Orelli, Konig, Cameron. يقسمون السفر إلى قسمين:
الأول: يضم الأصحاحين 1، 2 حسب التقسيم العبري (1، 2: 1-27) مدعين أنه كتب قبل السبي.
والثاني: يضم الأصحاحين 3، 4 (2: 28- ص 3) ُكتب بعد السبي.
لكن غالبية الدارسين يجدون في السفر وحدة واحدة في الفكر والأسلوب. وأنه لم يُكتب في عصرين مختلفين ولا وضعه الروح بشخصين...
4 سماته:
1. رأى يوئيل النبي الشاعر الرقيق، المرهف الحس، والمتقد بالغيرة، والنافذ البصيرة منظر غارات الجراد وقد حطمت يهوذا تمامًا، صوتها مرعب، ومنظرها قاتم، ملأت الجو، فاظلمت السماء، واختفت الشمس، وصار كل شيء كئيبًا، تحولت الحقول إلى برية ليس فيها ورقة خضراء. وتسلل الجراد من الكوى إلى كل حجرة... وليس من منقذٍ ولا مخلصٍ من هذا الجيش الخطير!!
رأى النبي يد الله الخفية وقد حركت هذه الجيوش لتحتل كل جرادة مكانًا محددًا لأجل التأديب وإدانة الشر. خلال هذه المشاعر كشف الله لنبيه منظر أمرَّ وأقسى، وهي غزوات الجيوش الغريبة التي يسمح لها الله بالهجوم على شعبه للتأديب. فإذا لم يسمعوا بلغة الجراد والقحط يحدثهم بلغة الجيوش والقتل والسبي... هذا اليوم هو يوم الرب القادم سريعًا لإدانة الشر، يوم قتام وظلام للأشرار.
لكن الله لا يترك شعبه بلا معين، فيعلن بالنبي سكب روحه القدوس على كل بشر، ليهييء البشرية ليوم الرب الأخير... يكون معينًا لهم حتى يكون يوم الرب يوم ظلام للأشرار ويوم نور للأبرار!!
يكشف هذا السفر خطة الله نحو البشرية... يتحدث بكل لغة، ولا يبخل عليهم بشيء، بل يهبهم حتى روحه ليهيئهم ليوم لقائهم معه للسكنى معه والتمتع بأمجاده.
2. هذا السفر - كما يراه بعض الدارسين - هو سفر انسكاب الروح القدس على البشر... فإن كان هذا السفر هو سفر "يوم الرب" الذي فيه يدين الخطية والشر، فهو يقدم الروح القدس الناري الذي "يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة" (يو 16: 8)... لقد دان السيد الخطية في الجسد، فحمل عنا لعنتها ليهبنا حياته المجيدة فينا، لذا أرسل لنا روحه القدوس بعد أن دفع الرب عنا أجرة الخطية، فنحيا بلا دين، واهبًا إيانا برّ المسيح يسوع ربنا...
3. إذ رأى النبي منظر الجراد المرعب كنار أحرقت كل ثمر الحقل، تطلع إلى الخطية، وقد أفسدت كرم الرب وتينته، فصار شعب الله في حالة جفاف شديد بلا ثمر، في فراغ، وأيضًا في حالة كآبة بلا بهجة (1: 12)... لذا صارت الحاجة ملحة إلى عمل الروح القدس الناري الذي يحل على البشرية، فيردهم إلى حالة الشبع بالله والبهجة به... إن كانت نار الخطية قد أكلت الحقل (1: 20)، فإن نار الروح القدس ترد القفر إلى فردوس إلهي - مثمر ومبهج!!
4. انفرد يوئيل عن بقية الأنبياء بعدم تحديد تاريخ زمني لنبوته، فلم يذكر أسماء ملوك يهوذا أو إسرائيل المعاصرين له، لأن نبوته تركزت على "يوم الرب" القادم سريعًا. وكأن الوحي قد أراد أن يعلن أن هذه هي نبوة كل الأجيال، لتترقب كل نسمة يوم الرب بكونه قريبًا للغاية... ولتتأهل له بالروح القدس الساكن فيها، فتدين نفسها فلا تُدان. لتقبل تبكيت الروح هنا فتنعم بالمجد في ذلك اليوم...
5. إن كان الأنبياء في جملتهم قد تحدثوا عن تأديبات الله لشعبه حتى يرجع الشعب إليه فيجد ذراعي الرب مفتوحتين له ولملكوته، مقدمًا عمل المسيا الخلاصي، وظهور ابن داود الملك الروحي الذي يضم كل الأمم إلى حضن أبيه. فقد عالج كل نبي موضوع التوبة والرجوع إلى الله من جانب معين. فإشعياء وعاموس وميخا تحدثوا عن التوبة خلال ترك الظلم والجور. وعزرا ونحميا خلال العمل المستمر في بناء هيكل الرب وأسوار أورشليم، وإرميا وحزقيال خلال إصلاح القلب الداخلي لا التوقف عند الإصلاح الظاهري الشكلي. أما يوئيل فهو نبي الطقس الكنسي الحيّ غير المنفصل عن البنيان الروحي الداخلي. وكأنه فيما هو يتطلع إلى أورشليم والهيكل والكهنة كان ينظر إلى أورشليم الداخلية والهيكل الخفي والصرخات القلبية... الطقس في عينيه ليس فروضًا محددة تلتزم بها الجماعة وإنما هو جزء لا يتجزأ من حياة الجماعة الروحية وبنيانها في الرب.
6. اتسم هذا السفر كالسفر السابق (هوشع) بالاهتمام بالتوبة بفكر جماعي، لكن دون تجاهل العلاقة الشخصية التي تربط المؤمن بعريسه السماوي، الأمر الذي تحدثت عنه بشيء من التفصيل في مقدمة سفر هوشع[6]. يظهر هذا الاتجاه هنا، فإن الرب يُغار على ميراثه ويرق لشعبه (2: 18، 27)، فيراني عضوًا في كنيسته ليس منفردًا ولا معتزلًا بذاتي...
كما اشترك الشعب في الشر معًا، يلتزم بالشركة في التوبة أيضًا (2: 15-17)، كل يسند أخاه بكونه عضوًا معه في الجسد الواحد...
7. إن كان النبي قد اتسم بقومية صارخة بسبب الظروف المحيطة له. فيصور لنا المجتمع اليهودي كممثل لملكوت الله، لكنه إذ يتحدث عن عطية الروح القدس لا يقدر أن يقصرها على أمة معينة أو شعب خاص، فهو عطية الله لكل بشر (2: 28)... إنه يفتح أبواب الرجاء لكل من يدعو اسم الرب فيخلص (2: 32).
8. من جهة الأسلوب، فان لغته العبرية فصيحة وبليغة. امتاز بسهولة الأسلوب وسلاسته مع وضوح المعنى ودقته. كتب أغلبه بأسلوب شعري رقيق، زينه بأنواع المجاز الدقيق ولغة تصويرية قوية النبرات...
9. يدعى يوئيل: "نبي أسفار موسى الخمسة"، إذا اقتبس من هذه الأسفار حوالي 25 مرة[7].
10. يُدعى أيضًا: "نبي العنصرة"، حيث يُقدم لنا الوعد بعطية الروح القدس. فإن كان هذا السفر هو "سفر يوم الرب"، فإننا بروح الرب نرى ذلك اليوم يوم عرس مفرح، يوم قيامة أبدية وغلبة على الموت. أما بالنسبة للأشرار فيكون يوم قتام ودينونة أبدية.
أقسام السفر:
1. غارات الجراد "تمهيد ليوم الرب" [1].
2. غارات الأعداء "تمهيد آخر له" [2: 1-27].
3. حلول الروح القدس "تهيئة ليوم الرب" [2: 28-32].
4. يوم الرب العظيم [3].
هذا السفر كبقية أسفار الكتاب المقدس، هو سفر خاص بك، لتقرأه وتأكله وتجتره وتعيشه بفرح ولذة.
إنه سفر التوبة الواهبة التجديد الروحي المستمر.
يدخل بنا هذا السفر إلى عرش نعمة الله، لنختبر خطة الله في تأديبنا، ونتمتع بعطية الروح القدس الساكن فينا، والعامل في حياتنا.
عاصر يوئيل النبي غارات الجراد، ليراها قد حوّلت السماء إلى غمام قاتم، لكنه ببصيرته الداخلية، أدرك أن الشمس خلف الغيمة، وأن الله يرق نحو شعبه جدًا حتى في أمرّ لحظات التأديب.
تنبأ غالبية الأنبياء عن شخص السيد المسيح وسماته وخدمته... أما يوئيل فركز على عطية الروح القدس، الذي أرسله السيد المسيح في يوم البنطقستي (يوئيل 2: 29؛ أع 2: 16). إنه يحول برية قلوبنا المحطمة إلى فردوس الله المثمر.
اَلأصحاح الأَوَّلُ (غارات الجراد)
اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي (غارات الأعداء)
اَلأَصْحَاحُ الثَّالِث (يوم الرب)
مقدمة:
* كلمة "يوئيل" في العبرية تعني "يهوه هو الله"، وهو اسم شائع في الكتاب المقدس (1 صم 8: 2؛ 1 أي 4: 35-43؛ 5: 4، 12؛ 6: 36؛ 7: 3؛ 11: 38؛ 15: 7؛ 27: 20؛ 2 أي 29: 12؛ عز 10: 43؛ نح 11: 9)...
* لا نعرف شيئًا عن هذا النبي سوى ما ورد عنه في هذا السفر. قدمه لنا المدعو أبيفانيوس Pseudo-Epiphanius في كتابه "حياة الأنبياء" على أنه من سبط رأويين. ُولد في بيت هورن أو "بيت أور". التي تبعد حوالي عشر أميال شمال غربي أورشليم، وفيها قد دفن[1]. لكن غالبية الدارسين يرون أن يوئيل من سكان أورشليم، غالبًا من سبط يهوذا، لذا جاء حديثه منصبًا على أورشليم وسماع صوت أبواق الكهنة، واجتماع الكهنة مع الشعب للعبادة في بيت الرب الخ... الأمر الذي يمثل خطًا واضحًا في السفر كله.
تاريخ السفر:
رأى الدارسون اليهود الأوائل أن يوئيل من أنبياء ما قبل السبي. وإن كان الدارسون المتأخرون من اليهود يجدون صعوبة في تحديد تاريخ النبي وبالتالي السفر نفسه[2].
يرى الأب ثيؤدورت والقديس جيروم أن يوئيل كان معاصرًا لهوشع النبي في أيامه المبكرة، أي قبل السبي. أما الدارسون المحدثون فقد اختلفوا فيما بينهم اختلافًا كبيرًا. فالبعض نسبه إلى فترة ما قبل السبي، والبعض إلى ما بعده.
يرى البعض أن يوئيل من الأنبياء المبكرين جدًا الذي كتبوا لنا. ربما عرف إيليا النبي واليشع في صباه[3].
جمع Knabenbauer أراء القائلين بأنه من أنبياء ما بعد السبي، والتي يمكن تلخيصها في الآتي[4].
1. يتحدث النبي عن الكهنة والشيوخ كأصحاب القيادة (1: 2؛ 13، 14؛ 2: 17) دون الإشارة إلى الملك كقائد أو حتى كمشترك مع الجماعة بكل فئاتها في التوبة، مما يدل على أن الحديث بعد السبي حيث عاد إسرائيل ويهوذا بلا ملك.
2. يوجه النبي حديثه إلى يهوذا وأورشليم دون أي تلميح لوجود مملكة إسرائيل...
3. لم يذكر النبي شيئًا عن وجود مذبح خارج أورشليم في السامرة عاصمة إسرائيل. كما لم يشر إلى العبادة الوثنية وطقوس البعل التي انتشرت في إسرائيل ويهوذا قبل السبي وفي أثنائه.
4. دعوة الكهنة "خدام يهوه"، اسم عرف متأخرًا بعد السبي.
يؤكد فريق من الدارسين أن يوئيل كتب حوالي عام 400 ق.م بعد سقوط بابل (539 ق.م) إذ لم يذكر اسمها، وقبل قيام اسكندر الأكبر إذ لا يقدم اليونانيين كدولة قوية مقاومة وإنما مجرد تاجرة للعبيد (3: 3)، وقبل خراب صيدون (3: 4)، وبعد بناء نحميا للسور عام 445ق.م (2: 9).
أما القائلون بأن يوئيل قد ظهر قبل السبي فيرون في الدلائل السابقة وغيرها أنها واهية، بل ولديهم دلائل متناقضة لها[5]، فمن آرائهم:
1. لم يشر النبي إلى الملك ولا دعاه للتوبة مع الكهنة والشيوخ، إما لأن الملك كان قاصرًا (ملك يهواش ابن سبع سنين 2 مل 11: 21)، أو لأن الملك لا يتدخل في الشئون الزراعية، حيث انصب غالبية السفر على حملات الجراد التي حولت البلاد إلى قفر وجفاف، أو لأن الدعوة إلى التوبة هي دعوة قلبية داخلية، فيريد النبي أن يربطهم بالعمل الروحي الطقسي دون الانشغال بالسياسة...
2. عدم ذكر العبادة الوثنية وخاصة البعل لا يعني أن النبي كتب بعد السبي، فإنه وإن كانت الطقوس الخاصة بالبعل قد نُزعت عنهم بواسطة المصلحين، لكنه وجد أيضًا بعد السبي انحراف آخر خلال المستعمر الجديد. لذا فتجاهل النبي هذا الانحراف إنما لأنه يكتب في اختصار وبتركيز مهتمًا بالجانب الإيجابي وهو عبادة الله الحيّ بفكر روحي وطقس سليم.
3. يؤكد كثير من الدارسين أن بعض الأنبياء مثل إشعياء وحزقيال وإرميا، خاصة عاموس، قد اقتبسوا بعض العبارات عن يوئيل وليس العكس.
4. لو كان يوئيل قد جاء بعد السبي فلماذا لم يشر إليه خاصة وأنه يتحدث عن قضاء الله على الأمم وتأديبه لشعبه؟! وقد أشار إلى رد السبي ومحاكمة الأمم التي أذلته كأمر نبوي مستقبلي قادم (3: 2-3).
5. أشار النبي إلى مصر كأمة معادية ومقاومة ليهوذا (3: 19)، الأمر الذي لا ينطبق على ما بعد السبي بل قبله، ومن الجانب الآخر لم يذكر في محاكمة الأمم المقاومة السامريين وبني عمون وغيرهم ممن قاوموا بعد السبي بل ذكر الفينيقيين وفلسطين وأدوم. وهم أمم مقاومة قبل السبي...
6. عدم إشارته إلى وجود مملكة شمالية إنما يتحدث عن إسرائيل كشعب واحد (2: 27، 3: 2، 16) أولًا لأن خدمة يوئيل كانت منصبة على مملكة يهوذا فلا مجال للحديث عن مملكة الشمال، ومن ناحية أخرى فإنه بروح النبوة يتطلع إلى إسرائيل كاسم أصيل ليس فقط للشعب كله (المملكتان) وإنما لكنيسة العهد الجديد كلها...
هذا ويوجد فريق ثالث مثل Kirkpatrick, Orelli, Konig, Cameron. يقسمون السفر إلى قسمين:
الأول: يضم الأصحاحين 1، 2 حسب التقسيم العبري (1، 2: 1-27) مدعين أنه كتب قبل السبي.
والثاني: يضم الأصحاحين 3، 4 (2: 28- ص 3) ُكتب بعد السبي.
لكن غالبية الدارسين يجدون في السفر وحدة واحدة في الفكر والأسلوب. وأنه لم يُكتب في عصرين مختلفين ولا وضعه الروح بشخصين...
4 سماته:
1. رأى يوئيل النبي الشاعر الرقيق، المرهف الحس، والمتقد بالغيرة، والنافذ البصيرة منظر غارات الجراد وقد حطمت يهوذا تمامًا، صوتها مرعب، ومنظرها قاتم، ملأت الجو، فاظلمت السماء، واختفت الشمس، وصار كل شيء كئيبًا، تحولت الحقول إلى برية ليس فيها ورقة خضراء. وتسلل الجراد من الكوى إلى كل حجرة... وليس من منقذٍ ولا مخلصٍ من هذا الجيش الخطير!!
رأى النبي يد الله الخفية وقد حركت هذه الجيوش لتحتل كل جرادة مكانًا محددًا لأجل التأديب وإدانة الشر. خلال هذه المشاعر كشف الله لنبيه منظر أمرَّ وأقسى، وهي غزوات الجيوش الغريبة التي يسمح لها الله بالهجوم على شعبه للتأديب. فإذا لم يسمعوا بلغة الجراد والقحط يحدثهم بلغة الجيوش والقتل والسبي... هذا اليوم هو يوم الرب القادم سريعًا لإدانة الشر، يوم قتام وظلام للأشرار.
لكن الله لا يترك شعبه بلا معين، فيعلن بالنبي سكب روحه القدوس على كل بشر، ليهييء البشرية ليوم الرب الأخير... يكون معينًا لهم حتى يكون يوم الرب يوم ظلام للأشرار ويوم نور للأبرار!!
يكشف هذا السفر خطة الله نحو البشرية... يتحدث بكل لغة، ولا يبخل عليهم بشيء، بل يهبهم حتى روحه ليهيئهم ليوم لقائهم معه للسكنى معه والتمتع بأمجاده.
2. هذا السفر - كما يراه بعض الدارسين - هو سفر انسكاب الروح القدس على البشر... فإن كان هذا السفر هو سفر "يوم الرب" الذي فيه يدين الخطية والشر، فهو يقدم الروح القدس الناري الذي "يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة" (يو 16: 8)... لقد دان السيد الخطية في الجسد، فحمل عنا لعنتها ليهبنا حياته المجيدة فينا، لذا أرسل لنا روحه القدوس بعد أن دفع الرب عنا أجرة الخطية، فنحيا بلا دين، واهبًا إيانا برّ المسيح يسوع ربنا...
3. إذ رأى النبي منظر الجراد المرعب كنار أحرقت كل ثمر الحقل، تطلع إلى الخطية، وقد أفسدت كرم الرب وتينته، فصار شعب الله في حالة جفاف شديد بلا ثمر، في فراغ، وأيضًا في حالة كآبة بلا بهجة (1: 12)... لذا صارت الحاجة ملحة إلى عمل الروح القدس الناري الذي يحل على البشرية، فيردهم إلى حالة الشبع بالله والبهجة به... إن كانت نار الخطية قد أكلت الحقل (1: 20)، فإن نار الروح القدس ترد القفر إلى فردوس إلهي - مثمر ومبهج!!
4. انفرد يوئيل عن بقية الأنبياء بعدم تحديد تاريخ زمني لنبوته، فلم يذكر أسماء ملوك يهوذا أو إسرائيل المعاصرين له، لأن نبوته تركزت على "يوم الرب" القادم سريعًا. وكأن الوحي قد أراد أن يعلن أن هذه هي نبوة كل الأجيال، لتترقب كل نسمة يوم الرب بكونه قريبًا للغاية... ولتتأهل له بالروح القدس الساكن فيها، فتدين نفسها فلا تُدان. لتقبل تبكيت الروح هنا فتنعم بالمجد في ذلك اليوم...
5. إن كان الأنبياء في جملتهم قد تحدثوا عن تأديبات الله لشعبه حتى يرجع الشعب إليه فيجد ذراعي الرب مفتوحتين له ولملكوته، مقدمًا عمل المسيا الخلاصي، وظهور ابن داود الملك الروحي الذي يضم كل الأمم إلى حضن أبيه. فقد عالج كل نبي موضوع التوبة والرجوع إلى الله من جانب معين. فإشعياء وعاموس وميخا تحدثوا عن التوبة خلال ترك الظلم والجور. وعزرا ونحميا خلال العمل المستمر في بناء هيكل الرب وأسوار أورشليم، وإرميا وحزقيال خلال إصلاح القلب الداخلي لا التوقف عند الإصلاح الظاهري الشكلي. أما يوئيل فهو نبي الطقس الكنسي الحيّ غير المنفصل عن البنيان الروحي الداخلي. وكأنه فيما هو يتطلع إلى أورشليم والهيكل والكهنة كان ينظر إلى أورشليم الداخلية والهيكل الخفي والصرخات القلبية... الطقس في عينيه ليس فروضًا محددة تلتزم بها الجماعة وإنما هو جزء لا يتجزأ من حياة الجماعة الروحية وبنيانها في الرب.
6. اتسم هذا السفر كالسفر السابق (هوشع) بالاهتمام بالتوبة بفكر جماعي، لكن دون تجاهل العلاقة الشخصية التي تربط المؤمن بعريسه السماوي، الأمر الذي تحدثت عنه بشيء من التفصيل في مقدمة سفر هوشع[6]. يظهر هذا الاتجاه هنا، فإن الرب يُغار على ميراثه ويرق لشعبه (2: 18، 27)، فيراني عضوًا في كنيسته ليس منفردًا ولا معتزلًا بذاتي...
كما اشترك الشعب في الشر معًا، يلتزم بالشركة في التوبة أيضًا (2: 15-17)، كل يسند أخاه بكونه عضوًا معه في الجسد الواحد...
7. إن كان النبي قد اتسم بقومية صارخة بسبب الظروف المحيطة له. فيصور لنا المجتمع اليهودي كممثل لملكوت الله، لكنه إذ يتحدث عن عطية الروح القدس لا يقدر أن يقصرها على أمة معينة أو شعب خاص، فهو عطية الله لكل بشر (2: 28)... إنه يفتح أبواب الرجاء لكل من يدعو اسم الرب فيخلص (2: 32).
8. من جهة الأسلوب، فان لغته العبرية فصيحة وبليغة. امتاز بسهولة الأسلوب وسلاسته مع وضوح المعنى ودقته. كتب أغلبه بأسلوب شعري رقيق، زينه بأنواع المجاز الدقيق ولغة تصويرية قوية النبرات...
9. يدعى يوئيل: "نبي أسفار موسى الخمسة"، إذا اقتبس من هذه الأسفار حوالي 25 مرة[7].
10. يُدعى أيضًا: "نبي العنصرة"، حيث يُقدم لنا الوعد بعطية الروح القدس. فإن كان هذا السفر هو "سفر يوم الرب"، فإننا بروح الرب نرى ذلك اليوم يوم عرس مفرح، يوم قيامة أبدية وغلبة على الموت. أما بالنسبة للأشرار فيكون يوم قتام ودينونة أبدية.
أقسام السفر:
1. غارات الجراد "تمهيد ليوم الرب" [1].
2. غارات الأعداء "تمهيد آخر له" [2: 1-27].
3. حلول الروح القدس "تهيئة ليوم الرب" [2: 28-32].
4. يوم الرب العظيم [3].